قصة : كازيوه صالح
ترجمة : عبداله قرهداغى
- هل قتلتيه أنت ؟
- لا أعرف !
يمكن أن يكون ، يمكن أن أكون أنا القاتل أو القتيل . لست اعرف ، المهم هو أنه يوجد الان حبل يربط القطبين معاَ . بين هذين القطبين تتمتع بالحرية في بعض المسائل الثانوية ، وفي هامش الحرية تلك ترى المحتال صالحاً، وغيره قاتلآ أو قتيلا .
ولكن لست افهم إن كان القاتل يتلذذ بعملية القتل أو القتيل .
رغم أنه لافرق لدي بين أن أكون قد قتلته بنفسي أو كنت أنا سبب مقتله ، رغم أنى لا أعتقد بأنه قد قُتل ، أو أني لا أريد أن اصدق ذلك ، لاْن فناءه صعب جداً بالنسبة لي ، لانني كنت أحبه كثيراً ، أكثر مما يتصور ، يمكن القول بأنه كان أثمن شىء في حياتى ، وكان بالفعل هكذا . لقد كان أنسي وسلواي الوحيد في وحدتي وغربتى هذه .
من يصدق بأن أقتل أقرب كائن من نفسى !؟
مازاال شك عينيه الدامعتين الساحرتين شاخصا امام عيني في كل لحظة فحين كان يحتظر ، كان ينظر الي بوجوم . ربما كنت أحسده ، والآمر هو كذلك بالفعل . كنا ننوي القيام برحلة الي ساحل البحر تستغرق يومين ، حين تحركنا كانت الساعة تشير الى الثانية بعد منتصف الليل ، كان الظلام يحول دون رؤية الاشجار بوضوح . لم تغب عيناي عنه حتى الشفق . أما حين حَل النهار امتلاْت أقداح نظرات الجميع بنور الجمال . حين كانت خيوط النور تغمز الأشجار وترسل عبر اغصانها اشعاعاً فضياً كان يسلب الاوراق حركاتها ويحملها على تحريك رؤوسها في إيماءة ركوع . حتى لحظة غزو الضياء للفضاء كانت كتل الجليد تنثر دلال بياضها على الليل فأحالتها الضياء إلى قطرات منسكبة من الحليب . وحين مالت النجوم إلى الانطفاء شيئاً فشيئاً أصبح موقع القمر حرجا وقلقا تماما . وحينذاك: امتلكت أشعة النهار الفضية الطبيعة في عقد زواج أبدى . أنذاك عرفت بأن الفجر ضرة لا شفقة لها لليل ، وكما يسحب الليل بمجرد حلول الضياء ، كذلك فانه قد أوجد لي ضرة وكان ينبغى أن أنسحب .
أجل ، كان كذلك . حين استيقظت كانا قد اندمجا معاً وهما ينظران إلى الاشعة الفضية من خلال زجاج السيارة بلهفة اكبر من لهفتنا في النظر .
لماذا أفكر في مقتله الى هذا الحد ؟ هل يمكن ان لا امتلك الحق في قتله ؟ وفيم ينبغي أن يكون لي ذلك الحق ؟ هل لاْنني أحبه اكثر من أي شئ أخر ، وكما يقال بحق فان الحب يقرب الانسان من القتل ؟
أه ، فان التفكير في شكل موته يصيب روحي بقشعريرة موت رهيب – لايمكنني اقناع نفسى بأنه قد مات.
ألا دهى هو ان احاييل ونزوات الـ ( مدام كلودين)، التظاهرية كانت قد سحبتني الى عالمها ذلك العالم الذى لامحل فيه الا لغرض الذات والتحميل .. ان اسلوب مشيها وتمايلها الى الجانبين ونظراتها المغرورة يصيبنى بالجنون ، اما ما جعلنى ابتسم فقد فقد كان بسبب الملابس التي كانت قد ارتدتها للشاطئ .. كانت ملابس احتفالية شرقيه تماماً : بنطال شارستون طويل وكنزة من الكتان ملتصقة بالجسم كاملآ ، مع صديرية من الشيفون الشفاف ، غير عادية وطويلة الى حد أنها كنت تلامس الجزء العلوي من احذيتها ذات الكعب العالي واٍلراْس الحاد كانت قد نثرت شعرها ، وكانت شلة من المراهقات حولها تتناوب في ملامسة خصلة من شعرها والانتقال من ذلك الي حليها وتقدير قيمة ملابسها . كانت قد ربطت كلبها الصغير المشعر بحبل وهي تسير وراءه ، وتركض أحياناً وراءه ركضة ملؤها الدلال . كانت احدى المراهقات المتجمعات حولها تروي عن أمها : ( المدام كلودين من أحفاد ذلك الهندوسي الذي اختار قرية نائية للسكن مع زوجته . لم ينجب الزوجان طوال سنين عديدة وبعدها انجبا ثعبانا . و رغم ان اصدقاء العائلة ومعارفها نصحوهم كثيراً بضرورة قتل الثعبان وانقاذ أنفسهم ، الا أن الام بقيت تمتنع عن ذلك وتربيه بحب وحنان الامومة وتجوب الدنيا بحثاً عن زوجة له ، واخيراً وفقت) . وهاهي الحفيدة اليوم تتدل حتى على الارض .
كانت تتمشى هذة المرة على الشاطئ وقد ربطت كلبها بحبل ملون طويل ساحبة أياه وراءها . كان الكلب يحاول الافلا ت بتجاه ( طونى ). وأخيراً انسجم الاثنان الى حد انهما انسلا تحت الصخور القريبة من الشاطئ، والتي شكلت أفياءاً صغيرة . ولم تكن المدام كلودين منتبهة الى الغيرة التي داهمتنى ، كما لم تنتبة الى كلبها الذى استولى على انيسى الوحيد تماماً .
وأنى لها أن تنتبه والمدام قد استولت على الشاب الوسيم الوحيد على الشاطئ ، وبسبب وضعهما الخاص غاب انتباههما حتى عن مبعدة شبر واحد عن موقعهما . وأنا أيضاً ، غاب انتباهي حتى عن شعورى كمداً على ما وجدته لدى الطرفين . وحين اقتربت منة ، كان ثمة صخرة ملقاة على رأسه كان كلب المدام يدور حوله ويعوى عواء انتحاب .
ورغم أن قلبي كان يعنضر ، الا أنني لم أغير وضعي ولم أحاول انقاذه . انتهى تحت وطأة الصخرة تماماً وأخرجوه . ورغم أن أختي قد أخبرتني بان ال ( ورام ) هى التي قد فعلت ذلك ، الا أنني ، وقبل أن افلح في السؤال منها : كيف ؟ ، ايتهمتني المدام كلودين قائلة :
أنت لا تدركين حتى ما تتفوهين به . كان طونى وكلبي يلثمان بعضهما فانطلقت أنت نحو الصخرة والقيتيها عليهما ، فحال القدر وحده دون اصابة كلبي .
انني لا اعرف حقاً .. يمكن أن يكون الامر كذلك ، لكني لا أعرف ماذا فعلت .
الشيء الوحيد الذي أعرفه هو أنني ساحتفظ بالحبل الذي كان مربوطاً بعنقه منذ اللحظة التي اخترت فيها الحياة على الشاطئ حتى الموت ، وسوف اسور به عنق آي كلب أخر لانه سوف لا يكون اكثر وفاءاً من ( طونى ) .
دمشق 21/6/2001
السطور التي حددت بالخطوط المسحوبة تحتها ، تمت صياغتـُها بناءاً على مغزى أسطورة هندية .