الشرق الاوسط 12/6/2003 مظاهرات ومناوشات. شعارات ويافطات. اجتماعات ثنائية وثلاثية ورباعية. مهرجانات خطابية واحزاب وتنظيمات بالجملة. هذا يدعو الى عودة الملكية، وذاك الى مرجعية الحوزة العلمية، وآخر الى العشائرية والقبلية. هذا هو حال العراق بعد الاحتلال، كما يريد البعض ان يسميه، او التحرير كما يحلو للبعض الآخر وصفه. الكل يتحدث باسم الشعب ونيابة عن الجماهير، بينما الشعب العراقي المغلوب على امره ينتظر الماء والكهرباء والغذاء، ويريد العمل والراتب. ورغم ان العراقيين كانوا يدركون ان القوات الامريكية لا تشن الحرب على نظام صدام الدموي لسواد عيونهم، الا ان معظمهم كانوا ينتظرون ويتوقون الى ساعة الخلاص من بطش سلطة اذاقتهم المر والعذاب طيلة اكثر من ثلاثة عقود، لكنهم يشعرون الآن بمرارة واحباط كبيرين، كونهم لا يعرفون الى متى يستمر الحال على هذا المنوال، والى متى يتوجب عليهم الانتظار حتى يستعيدوا جزءا من عافيتهم وحياتهم الحرة الكريمة ويحسون بحقهم الطبيعي والمشروع في تقرير مصيرهم. والغريب في الامر، هو ان الكل مستاءون من غياب القانون، ومن الفوضى، التي تعم مدن العراق، فالقوات الامريكية مستاءة من الاحتجاجات الشعبية والهجمات التي تتعرض لها هنا وهناك، والجماعات والاحزاب السياسية متذمرة من عدم ايفاء الامريكيين بوعودهم في الاسراع بتشكيل سلطة وطنية تعيد الى البلاد امنها واستقرارها المفقودين، بينما عامة الشعب، والذين لا حول لهم ولا قوة، مستاءؤن، بدورهم، من كلا الطرفين. وفي هذا الجو المشحون لا احد يحرك ساكنا، والكل في حالة انتظار لا يعرفون مداها. صحيح ان سقوط أي نظام توتاليتاري وقمعي كنظام البعث، خلال أقل من شهر، يخلف فوضى لا يمكن السيطرة عليها خلال ليلة وضحاها، لكن مرور ما يقارب هذه المدة على تحرر الشعب العراقي وعمليات النهب والسلب، التي ما زالت مستمرة امام اعين الجميع، يثير الكثير من التساؤلات حول جدية الولايات المتحدة في استتباب الامن والاستقرار، وبالتالي بعث الطمأنينة في نفوس العراقيين، لأن استمرار هذا الوضع لا يخدم احدا سوى مريدي النظام البائد وعصابات النهب والسلب، وبعض المرتزقة من المثقفين العرب الذين ارتموا في احضان طاغية العراق واداروا ظهورهم لمعاناة الشعب العراقي، والآن يريدون ان يستغلوا هذا الوضع المزري الذي يجري في العراق من اجل الاستمرار في الدفاع عن صـــــدام وزبانيته. فاذا كانت الاحزاب والقوى السياسية العراقية تريد حقا عراقا حرا ديمقراطيا، عليها ألا تقف مكتوفة الايدي وتنتظر الى ان تمن عليها واشنطن وتسلمها السلطة. كما ان على الولايات المتحدة ايضا ان تدرك جيدا انها لم تكسب الحرب، لأن الانتصار النهائي في الحرب مرهون بالنتائج. وإلا فان السحر سينقلب على الساحر، وحينها ستخرج الولايات المتحدة، وربما معها الشعب العراقي ايضا من الميدان صفر اليدين.
|